كوريا الجنوبية تنافس الدولار الرقمي بإصدار عملة "وون" مستقرة

المؤلف: ترجمة: منار الهليل08.08.2025
كوريا الجنوبية تنافس الدولار الرقمي بإصدار عملة "وون" مستقرة

في مسعى جريء، تسعى الحكومة الكورية الجنوبية الجديدة، بقيادة الرئيس الطموح لي جاي ميونغ، إلى اقتحام عالم العملات الرقمية المتنامي بقوة، وذلك من خلال إطلاق عملات مستقرة مدعومة بالـ"وون"، العملة الوطنية للبلاد. هذه الخطوة الجريئة تمثل تحديًا صريحًا للهيمنة الحالية.

إن تحرك سيول هذا يأتي في خضم صراع عالمي أوسع نطاقًا للسيطرة على التأثير الجيوسياسي الذي تفرضه تكنولوجيا العملات المشفرة، وذلك بعد حملة مكثفة قادتها الولايات المتحدة لدعم العملات المشفرة المرتبطة بالدولار الأمريكي، وفقًا لما ذكرته "نيكاي آسيا".

في الأسبوع الماضي، قام مجلس النواب الأمريكي بتقديم تشريع يهدف إلى إلقاء الضوء على قطاع الأصول الرقمية المعقد. ومن بين مشاريع القوانين التي تم إقرارها من قبل الجمهوريين خلال ما أُطلق عليه "أسبوع العملات المشفرة"، يبرز قانون "جينيوس"، الذي يضع إطارًا تنظيميًا اتحاديًا للعملات المشفرة المرتبطة بالدولار، بهدف بسط السيطرة على هذا المجال الحيوي.

وبينما يشهد عالم العملات الرقمية انتعاشًا ملحوظًا، قفز سعر بيتكوين إلى مستويات قياسية تجاوزت 123 ألف دولار، وهو أعلى مستوى يتم تسجيله على الإطلاق. وفي كوريا الجنوبية، أثارت خطة الحكومة لإصدار عملات مستقرة حماسة عارمة، حيث بدأت شركات التكنولوجيا العملاقة والبنوك الكبرى في الاستعداد لدخول هذا المجال الواعد الذي ينطوي على مكاسب هائلة.

ووفقًا لمشروع قانون الأصول الرقمية الذي تم تقديمه إلى الجمعية الوطنية، وهي الهيئة التشريعية في كوريا الجنوبية، يمكن للشركات التي تمتلك رأس مال لا يقل عن 500 مليون وان (أي ما يعادل حوالي 361 ألف دولار أمريكي) التقدم بطلب للحصول على ترخيص لإصدار العملات المستقرة، شريطة أن تمتلك خطة احتياطية مُحكمة لحماية أموال المستخدمين. ستُستخدم العوائد المتأتية من بيع العملات في شراء سندات حكومية قصيرة الأجل، والتي ستُستخدم بدورها كاحتياطيات، مما يتيح للمستخدمين استبدال عملاتهم المستقرة بالوون الكوري عند الطلب، ويضمن لهم سيولة عالية.

البروفيسور تشوي دونغ بوم، أستاذ المالية المرموق في جامعة سيول الوطنية، أكد أن إصدار العملات المستقرة يعتبر من بين الأنشطة التجارية الأكثر ربحية على الإطلاق، مضيفًا: "بالنسبة إلى شركة تعمل في مجال تشغيل العملات المستقرة، لا يوجد عمل أكثر ربحية من هذا. لهذا السبب يتمنى الجميع الانخراط في هذا المجال".

ومن بين الكيانات التي يُحتمل أن تتصدر قائمة المصدرين المحتملين، تبرز شركات الإنترنت العملاقة، بما في ذلك "كاكاو" و"نافر"، وذلك بفضل شبكاتها الواسعة وبنيتها التحتية المتطورة للمدفوعات والمعاملات المالية.

وعلى الرغم من التفاؤل الذي يسود السوق، يتبنى البنك المركزي الكوري نهجًا حذرًا للغاية. فهو يشعر بقلق بالغ إزاء المخاطر المحتملة التي قد تُشكلها العملات المستقرة على استقرار العملة المحلية وتدفقات رأس المال إلى الخارج.

وفي منتدى استضافه البنك المركزي الأوروبي في وقت سابق من هذا الشهر، صرح ري، محافظ بنك كوريا، قائلاً: "إذا سُمح بتداول عملات مستقرة غير خاضعة للتنظيم ومُقوّمة بالوون، فإن ذلك سيؤدي حتمًا إلى تسريع عملية التحويل إلى عملات مُقوّمة بالدولار، وسيُقوّض قدرتنا على إدارة تدفقات رأس المال بفاعلية".

وأشار البنك المركزي إلى أن الشركات التي تصدر العملات المستقرة تفتقر إلى الآليات الوقائية اللازمة لمنع الانهيارات المالية، على عكس البنوك التقليدية أو البنوك المركزية، وهو الأمر الذي يُثير مخاوف حقيقية بشأن تكرار كارثة عملة "تيرا" و"لونا"، اللتين انهارتا بشكل مدوٍ في عام 2022، مما أدى إلى تراجع واسع النطاق في سوق العملات الرقمية بأكمله.

ولتجنب تكرار تلك الكارثة المأساوية، تقوم شركتا تيثر وسيركل بشراء أصول تعتبر آمنة نسبيًا، مثل سندات الخزانة الأمريكية، وذلك بهدف دعم قيمة عملاتهما المستقرة. وفي الواقع، بلغت حيازات تيثر وسيركل مجتمعة من سندات الخزانة 166 مليار دولار في شهر يناير، متجاوزة بذلك حيازات دول أوروبية عريقة مثل أيرلندا وسويسرا بفارق طفيف.

وفي السياق الآسيوي، تحركت هونج كونج بخطوات حثيثة لإقرار تشريعات شاملة تنظم سوق العملات المستقرة، مما يشجع على تداولها في إطار مؤسسي منظم، وبالتالي رفع القيمة السوقية للعملات المستقرة على مستوى العالم إلى حوالي 255 مليار دولار.

عضو مجلس إدارة جمعية التكنولوجيا المالية في هونج كونج، بريسيلا آدامز، صرحت قائلة: "ما نشهده الآن هو توجه عالمي لا يمكن إنكاره نحو العملات المستقرة الخاضعة للتنظيم الصارم. أما العملات المستقرة غير الخاضعة للتنظيم، فيتم دفعها تدريجيًا نحو الهامش".

وشدد رئيس هيئة النقد في هونج كونج، إيدي يوي، على أن "العملة المستقرة ليست أداة للاستثمار أو المضاربة، بل هي وسيلة دفع رقمية تتميز بالكفاءة والفاعلية".

أما الصين، فقد حظرت تداول العملات الرقمية بشكل قاطع منذ عام 2019، مما أدى إلى إنهاء نشاط أحد أكبر أسواق التشفير في العالم. ولكن يبدو أن بكين تعيد النظر في استراتيجيتها الحالية. فقد أشار هوانج يي بينج، المستشار في بنك الشعب الصيني، إلى أن التشريعات الجديدة في هونج كونج تتيح فرصة سانحة لإصدار عملة مستقرة مُقوّمة باليوان في الأسواق الخارجية، بهدف تعزيز استخدام العملة الصينية في التجارة الدولية على نطاق واسع.

مع هذه التحركات المتسارعة والقرارات الجريئة، يبدو أن قارة آسيا، وعلى رأسها كوريا الجنوبية وهونج كونج، تستعد للدخول بقوة في سوق العملات المستقرة، بهدف تحدي هيمنة الدولار الرقمي وفتح آفاق جديدة ومثيرة في النظام المالي العالمي المتطور باستمرار.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة